ما حكم هجر الزوج لزوجته

ما حكم هجر الزوج لزوجته

يَحرمُ هَجر الزَّوج لزوجته من غير سببٍ مَشروعٍ، وذلك الحُكم مُشتقٌّ من القّاعدةِ العامَّة التي تُحرِّم هَجر المسلم لأخيهِ بغير سببٍ ومهما كانت صِفتهُ، لقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم: (لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ)،[١]

أدلة جواز هجر الزوجة

أمّا الدليل من السُنَّة؛ حيث ورد عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- ذلك، فعن جابر بن عبد الله قال: (اعْتَزَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا)،[٢] ومن الأدلة على جواز الهجر ما هو مأخوذٌ من المَعقول؛ حيث إنَّ الهجر له أثرٌ كبيرٌ في النِّساء المُستحقَّات له، فالمرأة بفطرتها لا تَصبر على بُعد زوجها عنها.[٣] وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأصل في العلاقة الزَّوجية بين الزَّوجين المَعاشرة بالمعروف والإحسان، لقول الله -عز وجل-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[٤] وقوله -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)،[٥] وأنَّ الهجر أمرٌ استثنائيٌّ لا يُعبِّر عن أصَل العلاقة، ويُلجأ إليه اضطراراً عند وجود أسبابه ودواعيه.[٦]

الأسباب المبيحة لهجر الزوجة

أمَّا فيما يتعلَّق بالأسباب المُبيحة لهجر الزَّوج لزوجته؛ فقد اتَّفق الفُقهاء من الجمهور والظَّاهرية على أنَّ السَّبب الرئيسي للهجر هو نُشوزُ الزَّوجة، وهو ما يُبيح للزَّوج هجرها، لقوله -تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)،[٧] ويُقصد بالنُّشوز لغةً: العِصيان، وهو ما ارتفع من الأرض، والمرأة النَّاشز هي المرأة المُترفِّعة عن زوجها، التَّاركة لأوامره، والكَارهة له.[٣] وبما أنَّ إباحة الهجر تعلَّق بنُشوز الزَّوجة؛ فمتى ما انقضى النُّشوز وانتهى، ورجعت الزَّوجة إلى طاعتها لزوجها فيما فرض الله -تعالى- عليها طاعته فيه، وعادت إلى رُشدها؛ لم يَجز حينها للزَّوج الاستمرار في هجرها، لزوال السَّبب المُجيز للهجر،[٨] ويكون هَجر الزَّوج لزوجته جائزاً عند التَّيقُّن من وُقوع النُّشوز من قِبَل زوجته، أو عند خَوفه من تحقُّق ذلك إن لم يقم بهجرها.[٩]

ضوابط هجر الزوج لزوجته

بالرُّغم من إباحة هجر الزَّوج لزوجته عند توفُّر الأسباب الشَّرعيَّة المُبيحة له -أي عندما تكون المرأة ناشزاً-، إلّا أنَّ على الزَّوج علاج النُّشوز بالتَّدرُّج الذي بيَّنه الله -سُبحانه وتعالى- في كتابه الكريم، وإن لم يفعل لم يكن الهَجر مباحاً، وهذا التدرج مأخوذ من قوله -تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)،[١٠] وتوضيح التَّدرُّج في علاج النُّشوز فيما يأتي:[١١]

الوعظ والإرشاد

فإن ظهر من الزَّوجة ما يُشير إلى نُشوزها من علامات، مثل عدم إجابة الزَّوج إلى فراشه، أو رفضها الاستمتاع بها من قِبل زوجها، أو تكبُّرها على زوجها، والعُبوس الدَّائم في وجهه، فيجب على الزَّوج عندها أن يبدأ بوعظِها وتَليين قلبها، وتَذكيرها بفضائل حُسن العشرة بينهما، وتذكيرها بواجبها وما فرضه الله -تعالى- عليها تجاه زوجها، وتخويفها من غضب الله -تعالى- إن لم تؤدِّي له حقَّه، وإن لم يُجدي الوَعظ نفعاً ينتقل الزَّوج إلى المرحلة الثَّانية.[١١]

الهَجر في الفِراش

ويكون هجر الزَّوج لزوجته في الفراش فقط، ولا يجوز له أن يتعدَّاه إلى بقية المنزل؛ كأن يَهجر زوجته أمام أطفاله أو أمام النَّاس؛ لكي لا يُهين كرامتها ويُذلّها، فليس ذلك هو المطلوب، بل يهجرها فقط في الفِراش، وهذا بلا شك من أصعب الأمور على الزَّوجة والتي تُشعرها بضعف قوَّتها وأنُوثتها وجمالها، وعدم تأثير كلِّ ذلك على زوجها.[١١]

الضَّرب غير المُبرح

ويكون ذلك عند عدم الانتفاع بجميع ما سبق، فإن لم يُجدِ الهجر نفعاً، فللزَّوج عندها ضَرب زوجته ضرباً غير مُبرحٍ؛ بحيث يتجنَّب ضربها على الوجه وأماكن الجمال، ويكون ضرباً خفيفاً المَقصود منه ليس الإيلام ولا الانتقام بل إيصال فكرة تقصيرها ومعاقبتها عليه، ويكون الضَّرب غير المُبرح باليد على كتفها مثلاً أو بسواكٍ أو بطرف ثوبه ونحوه.[١١]

كما يستطيع الزَّوج أن يقوم بإدخال طرفٍ أو طرفين للمُساعدة في حلِّ نشوز زوجته، بحيث يكون أحد الأطراف من جهة الزَّوج والآخر من جهة الزَّوجة، وهو ما يعرف بالتَّحكيم بين الزَّوجين، ومهمَّتُهما الإصلاح بقدر استطاعتهما، وهي مهمَّةٌ عظيمةٌ وقد تكفَّل الله -تعالى- للحَكمين بالهداية والتَّوفيق للإصلاح إن عزما عليه، وأخيراً إن لم تؤتِ أيّ من هذه المحاولات أثراً في إصلاح الزَّوجة، فللزَّوج عندها الحقُّ في رفع أمر زوجته النَّاشزة إلى القضاء.[١٢]

الهجر تعسفًا

ويجدر التَّنبيه إلى أنَّ بعض الأزواج يَتعسَّف في استخدام حقِّه في الهجر، ويقوم باستخدامه بغير حقِّ وبصورٍ لا تَصحُّ؛ فمن هذه الصُّور أن يهَجرها لعدم إطاعته في أمرٍ غيرُ مشروعٍ في أصله، أو أن يَهجرها في أمرٍ شخصيٍّ يتعلَّق بها لا بشيءٍ من حقوقه، أو أن يَهجرها لإرغامها على التَّنازل عن حقٍّ من حقوقها الماديَّة له، أو أن يَهجرها لإجبارها على طلب الخُلع، أو أن يَهجرها وهو يعلم أو يَغلُب على ظنِّه أنَّ الهجر لن يؤدِّي مقصده، أو أن يَهجرها لسببٍ شرعيٍّ ولكن يتعدَّى حقَّه بالهجر بأن يَحرمها من النَّفقة أيضاً، وكلُّ هذه الصُّور محرَّمةٌ ولا يَحقُّ للزَّوج هجر زوجته من أجلها.[١٣]

أَقصى مدة لهجر الزوج لزوجته

مدة الهجر في الفراش

تعدّدت آراء العُلماء في تحديد أقصى مدَّةٍ مسموحةٍ لهجر الزَّوج لزوجته في الفِراش على قولين كما يأتي:[١٤][١٥]

  • الأول: للزَّوج هجر زوجته المُدَّة التي يريدها حتَّى تعود زَوجته عن نُشوزها، وهذا مذهب الجُمهور من الحنفيَّة، والشَّافعيّة، والحنابلة، ودليلهم في ذلك أنَّ الآية التي وردت في الهجر جاءت مُطلقة وغير مقيَّدةٍ بزمنٍ، والأصل بقاءُ المُطلق على إطلاقه ولا يُقيَّد إلا بدليلٍ.
  • الثاني: إنَّ مدَّة الهجر شهرٌ، وللزَّوج أن يزيدها حتَّى أربعةَ أشهرٍ فقط، وهذا مذهب المالكيَّة، ودليلهم في ذلك أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- آلى -أي لم يُجامع- نسائه مدّة شهر، وأنَّ مدَّة الإيلاء أقصاها أربعةُ أشهرٍ،[١٤][١٥] إذ أنَّ الشَّرع حدَّد للإيلاء -عدم مُجامعة الزَّوج لزوجته- مدَّة أربعةَ أشهرٍ فقط، ومن بابٍ أولى أن يتمَّ تَقييد الهَجر بأربعة أشُهر قياساً على الإيلاء، ولأنَّ المدَّة التي تستطيع الزَّوجة أن تصبر فيها عن بُعد زوجها هي أربعةُ أشهر، والاستمرار بالهَجر لأكثر من ذلك فيه ضَررٌ على المرأة وليس هذا المُقصود من الهجر ولا مُراده،[١٦][١٧]

مدة الهجر بترك الكلام

وأمَّا فيما يتعلَّق بهجر الزَّوج لزوجته في الكلام: فيُجوز الهجر بترك الكلام مع النَّاشر باتِّفاق الفُقهاء، ولكنَّهم اختلفوا في تحديد المُدَّة الجائزة له على قولين كما يأتي:
  • قال الجُمهور بعدم جواز زيادة الهجر في الكلام عن ثلاثة أيَّامٍ، حتَّى وإن استمر نُشوزها، ودليلهم الحديث: (ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).[١]
  • قال بعض الشَّافعية بجواز الهجر في الكلام لأكثر من ثلاثة أيَّامٍ إذا قَصد الزَّوج بذلك تأديبَ زوجته وردِّها عن النُّشوز، ودليلهم في ذلك أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- هجر المُتخلِّفين عن غزوة تَبوك لأكثر من ثلاثة أيَّام.[١٤][١٥]

المراجع

  1. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6065، صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 1084، صحيح.
  3. ^ أ ب إسماعيل شندي، أحكام هجر الزوجة في الفقه الإسلامي، صفحة 129-130. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية: 19.
  5. سورة البقرة، آية: 228.
  6. ابن باز، مجموع فتاوى ابن باز، صفحة 255، جزء 21. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية: 34.
  8. وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، مصر: دار الصفوة، صفحة 171، جزء 42. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، السعودية: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5682، جزء 11. بتصرّف.
  10. سورة النساء، آية: 34.
  11. ^ أ ب ت ث محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الاسلامي (الطبعة الاولى)، الاردن: بيت الافكار الدولية، صفحة 164-165، جزء 4. بتصرّف.
  12. محمد بهنسي، الهجر وما يتعلق به من أحكام، صفحة 46-47. بتصرّف.
  13. صالح بوغشلام، التعسف في هجر الزوجة في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية العماني، صفحة 89-90. بتصرّف.
  14. ^ أ ب ت كمال سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 225-226، جزء 3. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت إسماعيل شندي، أحكام هجر الزوجة في الفقه الإسلامي، صفحة 135-137. بتصرّف.
  16. عبدالله الطيار، عبدالله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، السعودية: مدار الوطن للنشر، صفحة 116، جزء 5. بتصرّف.
  17. صالح بوغشلام، التعسف في هجر الزوجة في الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية العماني، صفحة 88. بتصرّف.