دعاء سيدنا يونس

دعاء سيدنا يونس

ناجى سيدنا يونس -عليه السلام- ربَّه وهو في بطن الحوت ودعاه بقول: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، وكان قد دعا سيدنا يونس -عليه السلام- هذا الدُّعاء وهو في بطن الحوت بعدما علِم بذنبه واعترف به وأقرَّ باستعجاله في ترك قومه؛ فتاب إلى الله -تعالى- وندم على عجلته في أمر قومه.[١]

وقد ورد هذا الدُّعاء على لسان سيدنا يونس -عليه السلام- في القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى-: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينََ}،[٢] وقد ذكر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- دعاء يونس -عليه السلام- وحثَّ عليه في أحاديثه،[١] وسنورد بيان ذلك فيما يأتي.

سبب دعاء سيدنا يونس بهذا الدعاء

توبة قوم يونس عليه السلام

سبب دعاء سيدنا يونس -عليه السلام- بهذا الدُّعاء، فهو الحادثة التي وقعت بينه وبين قومه، فقد أُرسِل يونس -عليه السلام- لدعوة قومه إلى دين الله -تعالى-، فدعاهم زمنًا طويلًا ولم يستجيبوا له، فأعلَم الله -تعالى- يونس -عليه السلام- بأنَّه سيحلُّ على قومه عذابًا في يومٍ معيَّنٍ، وأخبره بموعد هذا العذاب، فلمَّا اقترب موعده أتاهم نبيُّ الله يونس -عليه السلام- وهو يبكي ويقول بأنَّ عذابهم سيكون غدًا، فسمعه رجل من قومه وذهب فأخبر الملك.[٣]

ولمَّا سمع الملك بهذا الخبر أرسل في طلب قومه واجتمعوا لهذا الأمر، وأخبرهم بقول يونس، وقال لهم بأنَّ قول يونس ليس بهزلٍ وإن صحَّ قوله ذلك فسيكون ما كان من عذابٍ، فاجتمع أهل المدينة على أمرهم، وخرجوا من المدينة ينتظرون العذاب، فرأوا العذاب مقبلًا من ظلمةٍ وريحٍ شديدٍ، فأقرُّوا بذنبهم، وعلموا أنَّ ما جاء به يونس -عليه السلام- هو الحقُّ من ربِّهم.[٤]

وتضرَّعوا لله -تعالى- وتوجهوا إليه وسألوه الرَّحمة والمغفرة وأن يصرف عنهم ما أرسل إليهم من عذابٍ، وتعاهدوا فيما بينهم على ترك المنكرات، فما أن آمنوا بالله -تعالى-حتى صُرِف عنهم العذاب، وأنجاهم ممَّا كتب عليهم.[٤]

ترك يونس لقومه

لمَّا جاء يونس -عليه السلام- في اليوم التالي ورأى قومه لا يزالون يسكنون المدينة، ولم يحلّ بهم نوعٌ من أنواع العذاب، لم يستطع أن يدخل المدينة لأنَّه كان بالأمس قد أخبرهم بقدوم العذاب ولم يأتهم، فخرج من المدينة باتِّجاه البحر، فوجد سفينةً تكاد تنطلق من ساحل البحر، فركب معهم، فما أن سار المركب في البحر حتى أرسل الله ريحًا كادت تغرقهم.[٤]

فدعوا الله -تعالى- أن يكشف عنهم ما لاقاهم، وطلبوا من يونس -عليه السلام- أن يدعو معهم، فأبعد الله عنهم هذه الريح، فعادت مرَّة أخرى وكادت أن تغرق السَّفينة، فظنَّ يونس -عليه السلام- أن هذا من خطيئته، فطلب من أهل المركب أن يلقوه في البحر، فلم يفعلوا ذلك.[٣]

واقترحوا عليه أن يُجْروا اقتراعًا بينهم ومَن تصيبه القرعة هو من يُلقى في البحر، فأصابت يونس، وأعادوا القرعة مرَّتين وكانت في كلِّ مرَّةٍ تصيب يونس -عليه السلام-، فألقوه في البحر وجاء الحوت بأمر من الله -تعالى- والتقم يونس -عليه السلام-، فلمَّا شعر بالضَّنك وعرف ذنبه تاب إلى الله -تعالى- وناجى ربَّه بهذا الدُّعاء الذي أُسلف ذكره.[٣]

فضل الدعاء بدعاء يونس

بعدما ناجى يونس -عليه السلام- ربَّه وهو في بطن الحوت، وناداه من بين ظلماتٍ ثلاثٍ؛ ظلمة البحر، وظلمة الَّليل، وظلمة بطن الحوت، أنجاه الله -تعالى- من هذا الكرب، وقد لُقِّب يونس -عليه السلام- بذي النُّون؛ وهو الحوت الذي قذفه إلى شاطئ البحر بعدما دعا يونس ربَّه بدعائه، وأحاطه الله -تعالى- بعد ذلك بعنايةٍ خاصَّةٍ منه بعدما قذفه الحوت، فهيّأ له الشَّجر الذي يظلّه والأسباب التي تُعينه على النَّجاة.[٣]

ولم تُذكر المدَّة التي قضاها يونس -عليه السلام- في بطن الحوت، إلا أنّه منذ أن ابتلعه الحوت وهو يسبِّح الله -تعالى- ويذكره، ويدعوه بتضرُّعٍ حتى نجَّاه الله -تعالى- ممَّا كان فيه، وتاب الله عليه، وبعدما ألقاه الحوت وهو هزيل الجسد، توكَّل الله -تعالى- بأمره؛ فأخرج له الزَّرع، وأرسله بعد ذلك في قومٍ يبلغ عددهم مئةٍ ألف أو يزيدون، وقيل إنَّهم هم الذين غضب منهم يونس -عليه السلام-، فمنَّ الله -تعالى- على يونس بعد هذا الدُّعاء بالنِّعم العديدة.[٥]

وقد ذكر النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-فضل هذا الدُّعاء وأثره في الإجابة، وفيما يأتي بيان ذلك:[٦]

  • سببٌ في تفريج الكرب، ورفع البلاء والمحنة

روى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-أنَّه قال: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بشيءٍ إذا نزلَ برجلٍ منكم كربٌ، أو بلاءٌ، مِنْ أمرِ الدنيا دعا بِهِ فَفُرِّجَ عنه؟ دُعاءُ ذي النونِ: لَا إِلهَ إلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنَّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).[٧]

  • سببٌ في إجابة الدُّعاء

روى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه قال: (دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له).[٨][٩]

  • دعاء يونس -عليه السلام- يشتمل عدَّة مقوماتٍ جعلته من أعظم الأدعية

ومن ذلك اشتماله على لفظ التَّوحيد، ولا شكَّ أنَّ الإقرار بوحدانية الله -تعالى- هو من أفضل القربات التي يتقرَّب بها العبد إلى ربِّه، وهي طاعةٌ وعبادةٌ يحبُّها الله -تعالى-، ويشتمل الدُّعاء أيضًا على تنزيه الله -تعالى-، وتعظيمه عن كلِّ ما لا يليق به، وتقديساً له -سبحانه وتعالى-، وآخر هذا الدُّعاء هو بيان عجز الإنسان وضعفه وظلمه لنفسه أمام خالقه، والتَّوجه إليه بنيَّةٍ صادقةٍ.

المراجع

  1. ^ أ ب الواحدي، التفسير البسيط، صفحة 168-169. بتصرّف.
  2. سورة الأنبياء ، آية:87
  3. ^ أ ب ت ث ابن أبي زمنين، تفسير القرآن العزيز، صفحة 70-73. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ابن أبي زمنين، تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين، صفحة 71. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، فتاوى دار الإفتاء المصرية، صفحة 135. بتصرّف.
  6. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 603. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سعد بن أبي وقاص ، الصفحة أو الرقم:2605، حديث صحيح.
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، الصفحة أو الرقم:3505 ، حديث صحيح.
  9. سامي محمد ، العمل الصالح، صفحة 303. بتصرّف.