حكم الربا في الاسلام

حكم الربا في الاسلام

حُكم الربا في الإسلام

يعد أكل الربا من الأمور المحرمة في الإسلام، وقد ورد تحريم الربا في الكتاب والسنّة النبويّة، كما أجمع العلماء والسَّلف الصالح على تحريمه، وفيما يأتي بيان أدلّة التحريم:[١]

أدلة تحريم الربا في القرآن الكريم

ورد تحريم الربا في عدّة آياتٍ قرآنيّةٍ، وفيما يأتي تفصيل تلك المواضع:

  • استنكر الله -سبحانه- الربا في القرآن، وبيّن أنّه مُنافٍ للفطرة السليمة، وفي المقابل استحسن الزكاة، قال -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).[٢]
  • بيّن الله -تعالى- في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ*وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[٣] تحريم الربا قَطعاً، وبيَّن قُبحه، والآثار المُترتِّبة عليه؛ من ظلمٍ، وأكلٍ لحقوقٍ الآخرين، وغيرها من الآثار.
  • قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[٤] فقد بيّن الله أنّ البيع يختلف اختلافاً قاطعاً لا رَيب فيه عن الربا، إذ إنّ أيّ زيادةٍ على رأس المال مُحرَّمةٌ؛ سواءً أكانت قليلةً، أم كثيرةً.

أدلة التحريم في السنّة

أكّدت نصوص السنّة النبويّة الصحيحة على تحريم الربا بألفاظٍ صريحةٍ، وقد بيّنت بعض الأحاديث الربا المنصوص على تحريمه في القرآن الكريم، كما حرّمت بعض الأحاديث أنواعاً أخرى من الربا لم يَرد ذكرها في القرآن، وفيما يأتي بيان تلك الأحاديث:[٥]

  • أكّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على تحريم الربا؛ فقال في خُطبة حجّة الوداع: (أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العباسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فإنه موضوعٌ كُلُّهُ).[٦]
  • أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على تحريم ربا النسيئة؛ فقال: (أَلا إنَّما الرِّبا في النَّسِيئَةِ)،[٧] ويُراد بربا النسيئة: الزيادة في أحد العِوضَين مقابل تأخير السداد.
  • حرّمت السنّة النبويّة ربا البيع؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ).[٨]
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- بيّنَ نوعاً من الربا يقع ببَيع أصنافٍ مُعيَّنةٍ، وتُقاس عليها غيرها من الأصناف؛ إذ يجب التماثل إن اتّحدَ الجنس، فعلى سبيل المثال يُباع الذهب بالذهب بالمقدار نفسه، وبالتقابُض في مجلس العقد، ولا يُشترَط التماثل إن اختلف الصنفان، وإنّما التقابُض.

دليل التحريم في الإجماع

أجمع السلف الصالح والعلماء من بعدهم على تحريم الربا بأنواعه جميعها.[٥]

الحكمة من تحريم الربا

على المسلم أن يمتثل لأمر الله؛ سواءً عَلِم الحكمة من الأمر، أم لم يعلمها، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،[٩] ومع ذلك فقد اجتهد العلماء في بيان الحكمة من تحريم الربا، ويُذكَر من تلك الحِكم:[١٠]

  • الحَدّ من الإسراف، والرفاهيّة المُبالغ فيهما، وتجنُّب الإفراط في استهلاك الأصناف التي تعتمد عليها حياة الناس؛ فالإسراف من الأمور المذمومة.
  • تجنُّب غِشّ الناس لبعضهم البعض، والحرص على حفظ الأموال من الهلاك، أو الضياع.
  • منع الاحتكار؛ إذ إنّ شيوع التقايُض في أصنافٍ مُعيَّنةٍ يُؤدّي إلى حصر التبادُل فيها.
  • تشجيع الناس على استخدام النقود كوسيطٍ للتبادل، فإن ترتّب الربا على كلّ معاملةٍ ماليّةٍ، فإنّه يُؤدّي بالتالي إلى انعدام المعاملات الماليّة، وممّا يُؤيّد ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (بعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقالَ في المِيزَانِ مِثْلَ ذلكَ).[١١]
  • مَنع ما يُؤدّي إليه ارتكاب نوعٍ من الربا إلى الوقوع في نوعٍ آخرٍ؛ فعلى سبيل المثال قد تؤدّي الزيادة في أحد البدلَين، مع التقابُض في مجلس العقد إلى الزيادة الكُبرى مقابل تأخير التقابُض؛ أي أنّ ربا الفضل قد يُؤدّي إلى ربا النسيئة؛ ولهذا تُحرَّم أيّ وسيلةٍ تُؤدّي إلى الوقوع في مُحرَّمٍ.
  • مَنع الظلم؛ إذ إنّ في الربا أخذٌ للمال من غير عِوَضٍ، وأكلٌ لأموال الناس بالباطل، كما أنّ آخذ الربا ينال المال دون تعبٍ أو جهدٍ، وإنّما يحصل عليه مقابل تعب الآخر، ودون أن يتعرّض ماله لربحٍ، أو خسارةٍ.[١٢]
  • مَنع القعود عن العمل، والسَّعي، والاكتساب بالمنافع المُباحة، كالتجارة، والزراعة، والصناعة، وغيرها من الأموال، الأمر الذي من شأنه تحقيق الغاية من عمارة الأرض، وهو ما لا يؤدّي إليه التعامل بالربا.[١٢]
  • الحثّ على البِرّ، والخير، والمعروف بين الناس؛ فالربا يؤدّي إلى قَطع التراحُم، وعدم التعاون، أو المواساة بينهم.[١٢]

للمزيد من التفاصيل عن أضرار الربا الاطّلاع على مقالة: ((أضرار الربا))

أثر الربا في العقود

اختلف العلماء في الحُكم على البيع الذي خالطه الربا، وذهبوا في خِلافهم إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:[١٣]

  • القول الأول:بطلان العقد الربوي

قال به جمهور العلماء من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وعليه فإنّه يُفسَخ العقد ولا يجوز بأيّ حالٍ؛ إذ إنّ الربا من الأمور المُحرَّمة في الشرع، والمَنهيّ عنها، والنهي في الشريعة يدلّ على التحريم.

وقد استدلّوا بما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: (جَاءَ بلَالٌ بتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مِن أَيْنَ هذا؟ فَقالَ بلَالٌ: تَمْرٌ كانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ، فَبِعْتُ منه صَاعَيْنِ بصَاعٍ لِمَطْعَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ عِنْدَ ذلكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ببَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بهِ).[١٤]

  • القول الثاني: فساد العقد الربوي

عدَّ الحنفيّة العقدَ الذي فيه ربا من العقود الفاسدة، ويترتّب على البيع الفاسد مِلك العِوض قَبضاً، ووجوب رَدّه إن كان العِوض قائماً، أو رَدِّ قيمته، أو ما يماثله.

إذ يُفرّق الحنفيّة في فقه المعاملات بين الباطل، والفاسد؛ فالباطل ما لم يترتّب عليه أيّ أثرٍ للمعاملة، أمّا إن ترتّب الفسخ في الشرع فهو يُعَدّ فاسداً، وإن ترتّبت الآثار جميعها فيُعَدّ صحيحاً.

المراجع

  1. محمد أبو زهرة، بحوث في الربا، القاهرة – مصر: دار الفكر العربي، صفحة صفحة 15-17. بتصرّف.
  2. سورة الروم، آية: 39.
  3. سورة آل عمران، آية: 130-132.
  4. سورة البقرة، آية: 275.
  5. ^ أ ب محمد أبو زهرة، بحوث في الربا، القاهرة – مصر: دار الفكر العربي، صفحة 19-20. بتصرّف.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم: 3087، حسن صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 1596، صحيح.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 1587، صحيح.
  9. سورة النور، آية: 51.
  10. عمر المترك، الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، نسخة إلكترونية: دار العاصمة، صفحة 125-130. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2302 ، صحيح.
  12. ^ أ ب ت عمر المترك، الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، نسخة إلكترونية: دار العاصمة، صفحة 161-171. بتصرّف.
  13. ” الموسوعة الفقهية الكويتية “، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-2-2020. بتصرّف.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1594، صحيح.