ولا تحسبن الذين قتلوا
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات
بيّن الله -تعالى- في هذا الآية أنّ الشُهداء ليسوا كالأموات، بل هُم يحيون حياةً كريمة عنده في الجنة،[١] وقد ورد هذا الفضل في العديد من الآيات، كقوله -تعالى-: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ)،[٢] فنهى الله عن وصف الشُهداء بأنهم كالأموات، بل هم أحياء، وأرواحهم في حواصل طيرٍ خُضر تطير في الجنة حيثُ شاءت كما جاء في الأحاديث.[٣]
وقد نزلت هذه الآية في شُهداء معركة بدر، وكانوا أربعة عشر رجلاً، وأنزل الله -تعالى- هذه الآية لينهى الناس عن وصف الشهيد بالميت،[٤] وفي الآية بيانٌ للحياة التي اختُصّ وامتاز بها الشهيد عن غيره من الأموات، فقد جاء في بعض الأحاديث أن أرواحهم تكون في أجواف طيرٍ خُضر،[٥] وكان بعض المُشركين يُعيّرون المُسلمين بذهابهم إلى القتال وموتهم من غير فائدة، فبيّن الله في الآية النعيم الذي ينال الشهيد عند ربه.[٦]
وقيل إن هذه الآية نزلت في شُهداء أُحد؛ فهُم يُرزقون عند ربهم في الجنة،[٧] ففي الآية توجيه من الله بعدم الظن أن من قُتل في سبيل الله من الأموات، بل هو حيٌ يُرزق عند ربه،[٨] فالله يُحييهم بعد استشهادهم، ويجعلهم في الجنة،[٩] فنزلت الآية حتى لا يحسب الناس أنهم أموات، بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون ويتنعمون.[١٠]
سبب نزول آية ولا تحسبن الذين قتلوا
ذهب أهل التفسير إلى أن الآية نزلت في شُهداء بدر، وقيل: في شُهداء أُحد،[١١] وسبب نُزول الآية أنه لما استُشهد الصحابة في يوم أُحد، أصبح الناس يقولون: مات فلان، ومات فلان، فنزلت الآية.[١٢] وقيل إن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أخبر الصحابة عن شُهداء أُحد أنهم في الجنة، وأرواحهم في أجواف طيرٍ خُضر، فلما ذهب الشُهداء إلى النعيم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع اللَّه لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فنزلت الآية،[١٣] فبلغ الله الصحابة ما كان للشهداء عنده.[١٤]
فضل الشهادة في سبيل الله
للشهادة في سبيل الله الكثير من الفضائل، ومنها ما يأتي:[١٥]
- يُبعث الشهداء يوم القيامة بلون الدم وبرائحة المسك كما جاء في الأحاديث.[١٦]
- الشهداء تكون أرواحهم في جوف طير خُضر، ويُغفر لهم في أول دفقة من دمائهم، ويرون مقعدهم من الجنة، ويأمنون من عذاب القبر، ومن الفزع الأكبر، ويتزوجون من الحور العين، ويشفعون في سبعين من أهلهم، وجاء ذلك في عدّة أحاديث صحيحة.[١٧]
- الشهداء يكونون على بارق عند باب الجنة يأتيهم منه رزقهم صباحاً ومساءً، ويكونون أحياءً بعد استشهادهم يتنعمون، ويكون الشهيد فرحاً بما أعطاه الله من فضله، ويستبشر به، وقد ورد ذلك في آيات وأحاديث.
- الشهيد يُغفر الله له ذنوبه، ويُكفر عنه سيئاته.
- الشهيد يتمنى العودة إلى الدُنيا حتى يموت مرة أخرى؛ لِما يرى من الأُجور العظيمة التي ينالها الشهيد.[١٨]
ملخّص المقال: تحدّث المقال عن بيان معنى الآية: “ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أموات”، وأن الشهيد يكون حي عند ربه يتنعم في الجنة، وتكون روحه في جوف طير خُضر، ثُمّ بيّن سبب نُزول الآية، وهو لنهي الناس عن وصف الشهداء بالأموات، بالإضافة إلى ذكر الفضائل العظيمة للشهيد في سبيل الله عند ربّه وفي الجنّة.
المراجع
- ↑ مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (1993)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، صفحة 701، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:154
- ↑ محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 9، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ منيع محمود (2000)، مناهج المفسرين، القاهرة:دار الكتاب المصرى، صفحة 135. بتصرّف.
- ↑ الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، صفحة 453، جزء 47. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الزجاجي (1986)، اشتقاق أسماء الله (الطبعة 2)، صفحة 133. بتصرّف.
- ↑ مجير الدين العليمي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة 1)، صفحة 56-58، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الرازي (1419)، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (الطبعة 3)، السعودية:مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 812-814، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد الطبري (2000)، جامع البيان في تأويل القرآن (الطبعة 1)، صفحة 391-398، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أبو البركات النسفي (1998)، تفسير النسفي مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة 1)، بيروت:دار الكلم الطيب، صفحة 310-311، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ مجير الدين العليمي (2009)، فتح الرحمن في تفسير القرآن (الطبعة 1)، صفحة 56، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو المظفر منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة 1)، الرياض:دار الوطن، صفحة 378، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ خالد المزيني (2006)، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة دراسة الأسباب رواية ودراية (الطبعة 1)، الدمام:دار ابن الجوزي، صفحة 332-334، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر المعاصر، صفحة 161، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 298-307، جزء 41. بتصرّف.
- ↑ عمر عبد الكافي، سلسلة الدار الآخرة، صفحة 13، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1433)، الموسوعة الفقهية، صفحة 324، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ راشد العبد الكريم (2010)، الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية (الطبعة 4)، السعودية:دار الصميعي، صفحة 398. بتصرّف.