دعاء سورة يس

دعاء سورة يس

دعاء سورة يس

تحتلّ سورة يس مكانةً عظيمةً في قلوب المسلمين، فتراهم يقرؤونها في الصباح والمساء، وعند المريض حتى يتمّ الله عليه بالشفاء، وعلى من يحتضر وينازع روحه؛ حتى يسهّل الله عليه خروجها بإذنه، وعند القبور حتّى تتنزّل الرحمة على أصحابها، وقد روى ابن حبان في صحيحه فقال: (مَن قرَأ يس في ليلةٍ ابتغاءَ وجهِ اللهِ غُفِر له)،[١] ولم يرد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه دعاء بدعاءٍ مخصّصٍ بعد قراءته لسورة يس، لكن الدعاء بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم من المواضع التي يكون فيها مُجاباً، وقد ذكر ذلك بعض العلماء؛ منهم ابن مفلح في كتابه الآداب عندما ذكر مواضع إجابة الدعاء.[٢]

وقد ورد عن بعض العلماء بعض الأدعية الشائعة بعد قراءة سورة يس في كُتب الأوراد، ومنها ما جاء في كتاب “ربيع الأسرار في دعوات المختار والسلف الصالح الأخيار”: (سبحان المنفس عن كلّ مديون، سبحان المفرّج عن كل محزون، سبحان من جعل خزائنه بين الكاف والنون، سبحان من إذا أراد شيئاً إنّما يقول له كن فيكون، يا مُفرّج فرّج، يا مُفرّج فرّج، يا مُفرّج فرّج، فرّج عنّا همومنا وغمومنا، فرجاً عاجلاً برحمتك يا أرحم الراحمين، الحمد لله ربّ العالمين، اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم، اللهمّ إنا نستحفظك ونستودعك أدياننا وأنفسنا وأهلنا وأموالنا وأولادنا وكلّ شيء أعطيتنا، اللهم اجعلنا وإياهم في كنفك وأمانتك وجوارك وعياذك من كل شيطانٍ مَريد، وجبّار عنيد، وذي عين وذي بغيٍ، ومن شرّ كل ذي شرّ، إنّك على كل شيء قدير…)، وغيره من الدعاء.[٣]

فيعدّ هذا الأمر من الأمور العامة؛ بمعنى أنّ المسلم إن دعا بعد الانتهاء من التلاوة فلا بأس ولا حرج، وإن ترك الدعاء بعد الانتهاء من التلاوة فلا بأس أيضاً؛ لأن الدعاء في هذا الموضع بالتحديد لم يرد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-،[٤] ولكن ورد عن رسول الله حديثاً عن استجابة الدعاء بعد قراءة القرآن بشكل عامٍ، وليس بعد سورة يس بشكلٍ خاصٍ، ومن ذلك ما رواه عمران بن حصين -رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرءونَ القرآنَ يسألونَ به الناسَ).[٥][٦]

خصائص سورة يس

تتميّز سورة يس بآياتها القصيرة، وألفاظها السهلة، وتنوّع مواضيعها، وذلك يشمل جميع السورة من أولها إلى نهايتها،[٧] وتعدّ سورة يس من السّور المكّية، باستثناء قوله -تعالى-: (وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)،[٨] فإنّها آيةٌ مدنيّةٌ، وعدد آياتها ثلاثٌ وثمانون آيةً، ووجه العلاقة والمناسبة بينها وبين السورة التي قبلها؛ وهي سورة فاطر، أنّ سورة فاطر جاء فيها قوله -تعالى-: (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)،[٩] وقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّـهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ)،[١٠] فقد كان الكفار حينئذ يكذّبون برسالة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت سورة يس التي ابتدأت بالقَسَم برسالة محمد، والدلالة على صدقها، كما قال الله -سبحانه- في سورة فاطر: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى)،[١١] وقال في يس: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا)،[١٢] وقال فيها أيضاً: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ).[١٣][١٤]

ووصف صاحب ظلال القرآن سورة يس بأنّها ذات إيقاعٍ يعطي السورة طابعاً خاصاً يجعلها مختلفةً عن غيرها من السور، فإنّ الآيات القصيرة فيها، والصّوَر التي تعرضها السورة بشكلٍ مُتتابعٍ من أوّلها حتى آخرها، يجعلها تترك في النفس أثراً عميقاً، وتدور هذه الصور حول أحداث يوم القيامة، انتقالاً إلى بعض مشاهد القصص والحوارات، كما تعرض بعض أحوال السابقين، ثم تنتقل الآيات لتذكر بعض المشاهد الكونية منها؛ صورة الأرض الميتة حين تُمَدُّ بالحياة، ومشهد اللّيل ينسلخ منه النهار فإذا هو داكنٌ مظلمٌ، ومشهد الشمس تسير في مجراها، والقمر الذي يمرّ في مراحل عديدة، والسُّفُن التي تحمل الناس وتسير بهم، وما سخّره الله -تعالى- للناس من الأنعام والدوابّ تحملهم، والشجر الأخضر الذي يصنعون منه ناراً، ومشهد خلق الإنسان من النُّطفه إلى أن يصير إنساناً.[١٥]

فوائد سورة يس

وردت أحاديثٌ كثيرةٌ في فضل سورة يس على وجه الخصوص، ومعظمها فيها ضعف، ومنها حديث: (مَن قرأَ يس في ليلةٍ أصبحَ مغفورًا لَه)،[١٦] وقول رسول الله: (اقرَؤوا علَى موتاكُم يس)،[١٧] ولهذا ذكر ابن كثير في تفسيره على لسان بعض العلماء أنّ هذا السورة تُقرأ عند الأمر الصعب، فيسهّله الله -تعالى-، ورغم أنّ معظم الأحاديث لا يصحّ رفعها إلى رسول الله، إلا أنّ العديد منها أسانيدها حسنة، ومنها ما نُقل عن تجارب الصالحين، كما أنّ سورة يس من القرآن، والقرآن كلّه خير وبركة.[١٨]

وقد وردت العديد من الآثار عن الصحابة والصالحين، والتي تُظهر أهمية هذه السورة والخصائص التي تتميّز بها، والمواضع التي يقرؤونها فيها، ومن هذه الآثار:[١٩]

  • مساعدة الميّت والتخفيف عنه عند خروج روحه؛ فقد أخرج الدّيْلمي وأبو الشيخ وابن حبان في كتابه عن أبي ذر -رضي الله عنه-: (ما من ميّت يموت، فيقرأ عنده يس إلّا هوّن الله عليه).
  • قضاء الحاجات؛ فقد أخرج المحامليّ في الأمالي عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-: (من جعل يس أمام حاجته قُضيت له).
  • لِين القلب؛ فعن محمد بن علي في المستدرك: (من وجد في قلبه قسوة، فليكتب يس في جامٍ بماء وردٍ وزعفران، ثمّ يشربه).
  • إبراء المريض؛ فعن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- فيما أخرجه عنه ابن الضريس: (أنّه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرأ).
  • إدخال السرور على قلب قارئها؛ فقد أخرج ابن الضريس عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: (من قرأ يس إذا أصبح، لم يزل في فرحٍ حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى، لم يزل في فرحٍ حتى يصبح).

المراجع

  1. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جندب، الصفحة أو الرقم: 2574، أخرجه في صحيحه.
  2. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية ، صفحة 1108، جزء 10. بتصرّف.
  3. قسم التحقيقي العلمي بدار الأصول (2012)، ربيع الأسرار في دعوات وتحصينات النبي المختار صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحين الأخيار (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الأصول، صفحة 76-77. بتصرّف.
  4. عبد العزيز بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 139، جزء 9. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 2917، حسن.
  6. مجموعة من المؤلفين (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 228، جزء 39. بتصرّف.
  7. جعفر شرف الدين (1420)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 172، جزء 7. بتصرّف.
  8. سورة يس، آية: 46.
  9. سورة فاطر، آية: 37.
  10. سورة فاطر، آية: 42.
  11. سورة فاطر، آية: 13.
  12. سورة يس، آية: 38.
  13. سورة يس، آية: 39.
  14. تفسير المراغي (1946)، أحمد المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 144، جزء 22. بتصرّف.
  15. سعيد حوّى (1424)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 515-516، جزء 8. بتصرّف.
  16. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 8915، ضعيف.
  17. رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 151، صحيح.
  18. لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1774، جزء 3. بتصرّف.
  19. عبد القادر منصور (2002)، موسوعة علوم القرآن (الطبعة الأولى)، حلب: دار القلم، صفحة 235-237. بتصرّف.